جانب من المظاهر الثقافية والاجتماعية بقصور ميدلت
إن الزيّ والوشم وتسريحة الشَّعر والرقص وكذا طقوس ومراسيم
الأعراس، سمات وعلامات أنثروبولوجية لها دلالة تميز القبيلة
الأمازيغية عن مثيلاتها، كما تُشكل أساس الانتماء للجماعة وركيزة الإحساس والشعور
بالهوية المشتركة ضمانا للتناغم بين كافة أطياف القبيلة. فإذا كانت هذه العلامات
عند القبائل الأمازيغية في السفوح الشرقية للأطلس الكبير قد حظيت ببعض من الاهتمام
من طرف أبناءها تعريفا وتدوينا، فإن مثيلاتها في السفوح الشمالية لم تكن محظوظة بل
الأكثر من ذلك اندثرت بفعل هبوب رياح العولمة مند أن وطأت أقدام الرجل الأبيض أرض
أوطاط أيت إزدگ، فكيف كانت المرأة الميدالتية تتزيّن لتمارس إغراءها
الفطري بوشمها وتسريحة شعرها ولباسها؟ وكيف يتم الاستعداد لحفلات الأعراس؟
الوشم
يذهب جل الأنتربولوجيون إلى التأكيد على أن الوشم فوق
جسد المرأة هو دليل على الاكتمال والنضج الجنسي وعلامة على الخصوبة، فلا تُوشم إلا
الفتاة المؤهلة للزواج، حسب الرواية الشفوية فالفتاة قبل الزواج لا تَخطّ سوى وشم
على شكل غصن نخلة أو خطوط على الذقن، تضاف إلهيا بعد الارتباط رموزا أخرى دالة على
الخصوبة على الجبين وعلى الخدين تكون على شكل حرف "t"وثلاث نقط فوق الأنف. الوشم له ارتباط بما
وهو روحي أيضا حسب الاعتقاد السائد فهو يُستخدم للوقاية من العين والأمراض، فالوشّامة
ترِث “بركة الوشم” ولا تمارس هذا الطقس إلا يومي الإثنين والخميس تَستعمل خلاله الإبر
والكحل ورماد الفرن الترابي والفحم الأسود والفصّة والحناء. بعد رسم شكل الوشم
بالفحم في الموضع تأتي عملية الوخز بالإبرة فوق الرسم وبعد ذلك طلاء الموضع بنبات
الفصّة الخضراء المطحونة أو الحنّاء. إذا كان الوشم عند المرأة للتزين والإغراء ودرء
العين، فعند الرجال يمثل رمزا للقوة والشجاعة والتفاخر.
تسريحة الشَّعر
لقد كان الأمازيغ معروفون مند القدم بتسريحة شَعرهم
فقد ذكرهم المؤرخ الإغريقي "هيردوت" واصفا إياهم بدوي الشَّعر المفتول، وحتى
استقلال المغرب كان لكل قبيلة أمازيغية تسريحة الشَّعر الخاصة بها والتي تميزها عن
باقي القبائل. في أوطاط أيت إزدگ تُحلق رؤوس الذكور بأكملها وتترك ظفيرة "taqrruyt/تقرّويْت" جانبية على اليمين، أما الإناث فيحلق كامل الشعر
مع ترك ظفيرتين جانبيتين وإبقاء خصلة شعر صغيرة تنسدل على الجبين ( تونزا/ tawenza) كرمز على الفأل الحسن، وهناك من يَترك خصلة شَعر تمتد من مقدمة الرأس إلى مؤخرته على شكل عُرف
الدّيك تسمى (أدْوَّاحْ/ adewwah')، وعند بلوغ الفتاة يُترك الشَّعْر ينمو لأنه بالإضافة للجمال فهو
معيار لاختيار الزوجة، فالفتاة غير المتزوجة تُظهر ظفيرتها من تحت غطاء الرأس بينما
المتزوجة فتُخفيها.
الخطوبة:
خلافا لبعض القبائل الأمازيغية في الجنوب الشرقي حيث
تنتشر «تَقْرْفِيتْ» وهي تلك اللقاءات والمحادثات الغزلية التي تجمع بين الشبان والشابات
لاختيار شريك الحياة بشكل حر وبعيدا عن الضغوطات الأسرية، فإن في الجهة الشمالية
لا تذكر الذاكرة الجماعية وجودا لهذه الظاهرة، لكن من المحتمل أن تكون قد اندثرت بوازع
ديني كنتيجة لانتشار تأثير الزوايا، غير أن الاحتفالات والأعراس والسكن بنفس القصر
تعد فرصة سانحة للتعارف. تتم الخطوبة بعد موافقة أهل الفتاة، فيزور أفراد من عائلة
الشاب أهل الشابة قصد القيام بالخطوبة الرسمية أو ما يصطلح عليه "تُوتراtutra/ " عبر
تقديم الهدايا إلى عائلة العروس وتضم السكر والحناء والملابس. تختلف قيمة وعدد
الهدايا حسب المركز الاجتماعي للأسرة الشاب في القبيلة.
العُرس:
في السفوح الشمالية كما في الجنوب الشرقي، يتم الاحتفال
بالأعراس نهاية شتنبر وبداية أكتوبر، عامة في فصل الخريف عند انتهاء الموسم
الفلاحي بحصاد الذّرة. الاحتفال يكون جماعيا بالاتفاق على المواعيد بين أسر
العرسان في نفس القصر حتى لا تتزامن الأعراس ويضمنوا حضور ومشاركة الجميع في
الإعداد للحفلات. البداية تكون بقيام النسوة بغسل ما يكفي من حبوب القمح وتجفيفها
وتنقيتها وطحنها لإعداد الكسكس "أفتّال/afttal" ووضع الدقيق الجيد "الخالص" في
"إخرض/إخرضان" وهو كيس من جلد الخروف المدبوغ، وخلال كل عملية تردد النسوة أشعارا وأغانيا وزغاريدا
تعبيرا عن الفرح، ومع اقتراب موعد العرس يتطوع أفراد من أهل العريس
"إزدّامن" لحطب أغصان الأشجار الجافة من غابة جبل العياشي تكفي لطهي
الطعام طيلة الثلاثة أيام التي يستغرقها العرس.
أحيدوس:
إنه تعبير عن الفرح ولا تكتمل أي مناسبة دونه، فهو لا
يختلف كثيرا عن أحيدوس الجهة الأخرى للعياشي، لما لا وقبائل أوطاط هي امتداد
لقبائل زيز، فأحيدوس أوطاط يشارك
فيه راقصون من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار، يرتدون الزي التقليدي المحلي و يصطف
الرجال والنساء جنبا إلى جنب تتلامس أطراف
أكتافهم، عندما يتعلق الأمر بغناء "إزلي" والذي يكون نسبيا طويل
والايقاع بطيء يؤديها الراقصون وهم يشكلون حلقة دائرية، في حين عندما يتعلق بمبارزة شعرية بين أهل العريس خاصة "إمسناين" المكلفون بإحضار
العروسة من جهة، وأهل العروسة من جهة أخرى، فينقسم الراقصون إلى فرقتان متقابلتان
تتبارزان بالأشعار وبالرقص جيئة وذهابا،
فتحاول كل فرقة إخراج أجمل ما لديها من قدرات لتنال الإعجاب وتكون حديث كل الألسن.
أحيدوس
يرافق البغلة التي تنقل العروس من بيت أبيها إلى بيت الزوجية مرتدية منديلا
أحمر يغطي وجهها "تاسبنيت" وغطاءً صُوفيًّا "تابيزارت" يغلب
عليها اللون الأبيض مخططة بخطوط طُولية بيضاء، وسوداء أقل عرضا، خلال الرحلة يتوقف
الموكب للرقص والغناء بصفة متقطعة، وعند الوصول يطالبون بالذبيحة جريا على عادة كل
الأمازيغ لتُنحر قبل دخول العروس بيت الزوجية فينشدون:
Ullah ur trruss
Ard iddu uhuli
ويستمر أحيدوس صباح اليوم الموالي
للدخلة معلنا عن نهاية العرس، خلال الأيام السبعة المولية يأتي طقس "تورديوين"
إنها اعتراف متبادل بقيام الرابطة الدموية بين أهل العريس وأهل العروسة، يقوم أقرباء كل من العريس والعروسة بدعوتهما لمؤدبة أكْل، الهدف منها
الاعتراف الضمني بالانتماء للأقارب.
ختاما هذه محاولة بسيطة وعمل قمنا بتدوينه على
السريع لم نتطرق فيه إلى أدق التفاصيل، في محاولة لتحريك المياه الراكضة، هدفنا من
خلاله تقاسم معلومات، وعرضها للنقد والتصحيح والتنقيح والتطعيم بتجارب القارئ،
علنا نتمكن من الوصول لمنتوج قابل للتدوين أقرب ما أمكن من الثقافة السائدة قبل
الاستعمار بأوطاط أيت إزدگ أو
ميدلت عامة .
بقلم: محمد اعزيرو
medazerou@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق
الرجاء من القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع