دروس مادة الجغرافية البشرية



الجغرافية البشرية
التحولات المجالية والاجتماعية ببوادي شمال فاس، حال تلال مقدمة الريف الأوسط
قبيلة الحياينة نموذجا
الـــتصـــــــمـــيم
1- إكراهات ومؤهلات الوسط الطبيعي في علاقاتها بالاستقرار البشري
2- تأثير التاريخ على الجغرافية
3- المؤهلات البشرية (الكثافة السكانية، معدل النمو السكاني، فئات الأعمار...)
4- البنيات العقارية، توزيع ملكية الأرض
5- أنظمة الانتاج الفلاحي: الزراعات، تربية الماشية، المغروسات الشجرية...
6- الأشكال غير المباشرة للاستغلال الفلاحي
7- عدد أيام العمل الفلاحي.
8- الدخل الفلاحي وغير الفلاحي.
9- المؤشرات الاقتصادية لمستوى عيش سكان الأرياف والمدن: النفقات الغذائية وغير الغذائية.


بيبليوغرافيا
لائحة البحوث والمراجع:
10- -قيس مرزوق ورياشي: التراتبات الاجتماعية والتراتبات المجالية. في، "تطور العلاقات بين البوادي والمدن في المغرب العربي". منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، سلسلة ندوات ومحاضرات رقم 10، الرباط
11- -محمد مزين (1986): فاس وباديتها: مساهمة في تاريخ المغرب السعدي. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2ج.
12- -حسن ضايض /حاج علي ألفة (2002): الهجرة الريفية بإقليم تاونات أو البحث عن توازن جديد. سلسلة دراسات مجالية رقم 1، مجموعة البحث حول جبال الريف، تطوان، صص 29-48.
13- _عبد الرحمان المودن (1995): البوادي المغربية قبل الاستعمار. قبائل إيناون والمخزن بين القرن 16 و19. أطروحة لنيل دكتورة الدولة. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 25. 455ص.
14- _محمد رحو (1999) : التعرية في مقدمة الريف الأوسط: المنطقة البينهرية اللبن-سبو-ورغة: استمرار للتطور الطبيعي، منتوج مجتمعي. دكتورة الدولة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 698 ص.
15- -زينب نجاري (1996) : العلاقات بين المدينة والبادية، فاس وقبيلة الحياينة من 1900 إلى 1956. بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في السوسيولوجيا، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط.
16- Bonnamour J. (1993) : Géographie rurale, position et méthodes.ed. Masson, Paris, 194 p.
17- Derruau M. (1976) : Géographie humaine . A. Colin, Paris, 431p.
18- Pascon,P. et Ennaji M. (1986) : Les paysans sans terre au Maroc . Ed. Toubkal, casablanca.Troin J.F. (1975) : Les souks marocains. Marchés ruraux et organisation de l’espace dans la moitié nord du Maroc. T.I, 503 p., T.2, cartes hors texte, Edisud / CNRS, Paris.
19- El Midaoui A. (1983) : Déterminants économiques et choix des systèmes de culture et d’élevage : région de Tissa . E.N.A. Méknès El Mrabet B. (1984) : .Société et espace dans une petite montagne méditerranéenne. Emigration et Habitat dans le Sud rifain (pays de Taounate). Thèse de 3èmecycle, Univ. Montpellier 3, Montpellier, 236 p.
20- Fadloullah A. (1987): L'évolution récente de la population dans le haut Rif central. Hommage à Maurer G. In, Les milieux et les hommes dans les pays méditerranéens. Etudes méditerranéennes. Poitiers, T.2, pp. 463-482.
21- Fejjal A. (1995) Les migrations de population dans les rapports de Fès avec les régions prérifaines . In, Les rapports villes-campagnes sur la bordure méridionale du pays Jbala, G.P.E.J., Al Maarif Al Jadida, Rabat, pp.69-76
22- Gartet A. (1994) : Morphogenèse et hydrologie dans un bassin versant de l’oued Lebene (Rif méridional et Prérif central oriental, Maroc) . Th. Doct. Univ. Aix Marseille, Aix-en provence.
23- Lazarev G. (1965) : Répartition de la propriété et organisation villageoise dans le Prérif. L’exemple des Hyaïna. R.G.M. n°8, pp.61-74.
24- Lazarev G. (1966) : structures agraires et grandes propriétés en pays Hayaïna. R.G.M. n°9. Rabat. pp.23-58.
25- Rahou M. (2000) : Enquête sur la perception de l’espace vécu par les paysans : exemple de l’évaluation téchnico-historique de la qualité des sols des collines prérifaines . In, Montagnes Méditerranéennes. La montagne et le savoir. N° 12. Uni. Joseph Fourrier, Grenoble, pp.53-60.
26- Sbai A. (1990) : L’organisation de l’espace dans la province de Taounate. Th. Doct. Univ., Lyon II. Lyon, 360p.
27- Sibari,H.,Haidi,S.,Ait,,Fora A. (2001) : Typologie des crues et érosion mécanique dans un bassin versant de zone semi-aride : bassin versant de l’Inaouene, Maroc. In, Sciences et changements/Sécheresse,1,2,3,p. 187-193
28- M.A. (1977) : Projet Fès-Karia-Tissa : Projet de développement de l’agriculture pluviale dans les régions céréalières prioritaires. Rapport général, 3 Vol., Rabat
29- M.A. (1983) : Aménagement hydro-agricole des ouljas de l'Inaouene aval et du moyen Sebou. Etude de factibilité + Annexe : milieu avant aménagement.
30- M.A. (1990) : Projet Fès-Karia-Tissa. Rapport d’achèvement, Rabat.
31-

I . ظروف تاريخية غير ملائمة للاستقرار البشري

تمكن دراسة وتتبع السيرورة التاريخية بمجال الدراسة، ولو بشكل مقتضب، من معرفة أهمية العوامل التاريخية في تفسير آليات الاستقرار البشري بمجال الدراسة سواء تعلق الأمر بتوزيع السكان أو بعلاقاتهم بالأرض. فهي إذن تحاول أن ترصد مدى تأثيرات الأحداث التاريخية على المجتمع.
وإذا كان تأثير الحيز الجغرافي يفسر إلى حد كبير تنظيم وتوزيع السكان والسكن، فإن العنصر التاريخي هو الآخر ساهم إلى حد كبير في خلخلة التوازن بين الموارد الاقتصادية والسكان. وسواء تعلق الأمر بمجال اجبالة أو الحياينة واشراكَة، يتميز مجال الدراسة باكتظاظ بشري قوي يترجمه ارتفاع الكثافات الجغرافية والوظيفية وتزايد حجم الدواوير وارتفاع عدد الأسر.
وبشكل عام، يتميز الاستقرار البشري بمجال الدراسة بقدمه. فقد تم العثور عند نهاية التسعينات على مغارة بقمة جبل صدينة بناحية تيسة تحتوي على نقوش منفذة على صخور من الرمل الخشن عند مدخل المغارة. وحسب بعض المختصين الأركيولوجيين يقدر عمرها بأكثر من 5000 سنة (صدى تاونات، عدد 46 1997).كما يتوفر المجال على بعض المآثر التاريخية كما هو الشأن بالنسبة لصور عين معطوف (دائرة تيسة) الذي يعود، حسب السكان المحليين ، إلى العهد البرتغالي. وهو نفسه العهد الذي تنتسب إليه قلعة جبل أمركو بجماعة مولاي بوشتى.
يتكون المجال المدروس من عدة تشكيلات قبلية أهمها الحياينة و"اشراكَة"ومجموعة "اجبالة"، بالإضافة إلى قبيلتي حجاوة وأولاد عيسى اللتان كانتا خاضعتين لنظام "النايبة". وهي قبائل تختلف ليس فقط من حيث أصولها وإنما كذلك من حيث ظروف استقرارها وعلاقاتها بالمخزن بل وبالاستعمار الفرنسي. "لكن إذا تيسر للباحث معرفة الأصول التي انحدر منها التجمعان الأولان (اشراكَة والحياينة)، فإن الأمر يبقى مبهما وغامضا بالنسبة لتجمعات ساكنة اجبالة؛ حيث لا يمكن استجلاؤها فضلا عن تحقيق مناطها، ومردّ ذلك إلى توغلها في الماضي السحيق"(التقي العلوي 1977 ص201)، وإلى قلة المصادر التي تدل الباحث على إلقاء بعض الضوء على جوانبها خاصة فيما يتعلق بظروف تعريبها.

,,,,,1-مراحل استقرار بشري معقدة وغير واضحة:

يتميز جنوب الريف الأوسط بتعدد قبائله (خريطة رقم 8) واختلاف مراحل الاستقرار به. فهناك قبائل يعود تاريخ استقرارها إلى فترات جد قديمة، بينما لم تستقر بعض المجموعات البشرية إلا بعد أن استتب الأمر للدولة السعدية. ولاشك أن تباين مراحل الاستقرار البشري بهذا المجال ترتب عنه اختلاف على مستوى طبيعة العلاقة بالأرض، رغم أن هذه العلاقة لن تتضح بشكل جلي إلا خلال القرن الثامن والتاسع عشر. وهي الفترة التي امتد خلالها نفوذ مدينة فاس العقاري إلى مشارف وادي ورغة.
-2.1 الحياينة إتحادية حديثة التكوين:

عرفت منطقة ايناون التي تستقر بها قبيلة الحياينة، تقلبات عدة عبر تاريخها. فقد برزت قبائل في مرحلة تاريخية معينة ثم اختفت أخرى. فابن خلدون عندما تحدث عن القبائل30 التي كانت تقطن المغرب والتي "كانت تشكل ثلثي المغرب" (مولييراس 1895) لم يصنف ضمنها قبيلة الحياينة. كما أن البكري (1965 ص.117) خلال القرن الخامس والبيدق الصنهاجي (1971)، خلال القرن الثاني عشر الميلادي، عند تطرقهما للقبائل البريرية المجاورة لفاس (ترهنة، مغيلة، أوربة، مكناسة وصدينة) لم يصنفا ضمنها قبيلة الحياينة.
لكن منذ القرن السابع عشر الميلادي بدأ التاريخ يحكي عن محتلين جدد لهذه المنطقة ذوو أصول عربية، اختلطوا مع السكان المستقرين حاملين معهم نظامهم. وحتى إن شكلت الحياينة وحدة على الصعيد الإثني، فإن هذه القبيلة لا تظهر أصيلة على مستوى الجغرافية الطبيعية (Lazarev, G .1966 ). وقد استنتج هذا الأخير إلى أنه من المحتمل أن تكون الحياينة قد عوضت بني وامود31(خريطة رقم 9) ما بين
1540 و1610 ميلادية. وهي فترة وصول السعديين إلى فاس وانهيار الدولة الوطاسية G. 1966) (Lazarev. إذ خلال هذه الفترة انتقل السعديون من مراكش للاستيلاء على فاس بجيش مكون من قبائل عربية )بنو معقل) من ضمنها فرقة الحياينة. ويدعم هذه الفرضية وجود أولاد عمران) إحدى فرق الحياينة الآن) ضمن الجيش السعدي. ومكافأة لهم على هذه الخدمة حصلوا على بعض الإقطاعات (1978Lazarev G.). ويعرف كذلك أن السعديين شنوا سنة 1558 حربا ضارية على وادي اللبن ضد الجيش التركي الذي زحف من باديس. وكانت هذه الحرب من الحروب الحاسمة ضد زحف العثمانيين على المغرب (Lazarev G. 1966). ويبقى أن نتساءل هل يمكن أن يكون البلد الذي احتل بهذه المناسبة أعطي لجيش الحياينة؟
وما يؤكد أن مجموعة الحياينة تم ترحيلها من مناطق أخرى إلى المجال الذي تحتله حاليا هو الأسماء المشتركة بينها وبين مناطق أخرى في المغرب. ونذكر هنا على سبيل المثال:
-الشبانات: دوار في أولاد عمران وقبيلة في الحوز؛
-أولاد عمران: قبيلة في الحياينة وفي سوس )آيت باعمران) وفي الشاوبة؛
-هوارة: توجد بثلاثة مواقع بالحياينة وباشراكَة وتوجد في سوس وكرسيف؛
-سدراتة : فرقة في أولاد عليان وقبيلة في تادلة ودوار في عين مديونة؛
-مطالسة: فرقة في أولاد عليان وقبيلة زناتية في شمال شرق تازة؛
-الحياينة: هي نفسها اتحادية الحياينة وقرية في دكالة.
وأما قبيلة بنو وامود التي كانت تستقر، حسب الوزان، في منطقة الحياينة الآن، والتي لم تكن تبعـد سوى بعشرة أميال عن فـاس )حوالي ستة عشر كلم )، فقـد اختفت كلية من المنطقة. وما يؤكد أن المنطقة كانت، في أول الأمر، مجالا بربريا وجود بعض الدواوير التي تحمل أسماء بربرية مثل ملولة وتبْزيّمت وطْسانْفاشْتْ وتوْرارْت وشلوحة وتازكة وغيرها.
وفي تحليله لظاهرة الإنقراض التي تتعرض لها القبائل اخبر ابن خلدون في "كتاب العبر"(1959ج6) بأن النسب الأول يتناسى بطول الزمان ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر ومازالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية وفي الإسلام (التقي العلوي 1977).
حينما نطلع على المجموعات البشرية المكونة للحياينة نجد أسماء تطرق لها ابن خلدون مثل صدينة التي صنفها البكري ضمن القبائل البربرية. يقول التقي العلوي: "وفي بداية الدولة العلوية تحول الاسم إلى بلاد اشراكَة، ولا تزال حتى الآن إحدى القرى في اتحادية الحياينة تحمل اسم صدينة البسابسة "
وقد ورد اسم صدينة – التي توجد حاليا بجماعة واد الجمعة بدائرة تيسة – عند صاحب "مفاخر البربر" ضمن قبائل "البتر" من البربر. وأعلام البتر من البربر هم زواغة ونفزة ولواتة ومزاتة ونفوسة ومغيلة ومطماطة ومظغرة ومديونة وصدينة )مجهول). أما المطالسة - في نطقها الأصلي عند ابن خلدون والحسن الوزان بالباء بدل الميم- فكانوا يعيشون في ملوية السفلى، ويرحلون مثل جيرانهم بنو يحيى رحلة قصيرة في صحراء كرط بغرب ملوية، وتوجد منهم فرقة متعربة نزحت من مكانها الأصلي )التقي العلوي 1972 ص) . وهي توجد حاليا بجماعة البسابسة بدائرة تيسة. ويبدو أن استمرار نفس الأسماء، بالرغم من الاختلاط النسبي ، يدل على درجة من الالتحام تستوعب الوافدين الجدد الذين يشتركون في رصيد تاريخي سابق. فقد حافظت غياتة وتسول والبرانس على أسمائها منذ عهد الأدارسة. وتلك أيضا حالة "سدراتة"التي ذكرت كقبيلة في عهد الأدارسة (عبد الرحمان المودن 1995). لكن اسم هذه القبيلة أصبح يطلق حاليا على بعض المناطق المرتفعة من الحياينة التي هي "جبل سدراتة". ويقابل هذا الاستمرار اندثار أسماء أخرى مثل بني وارثين وبني مكود. ولعل منتصف القرن الساد س عشر يمثل انكسارا من حيث اختفاء أسماء قبائل واختفاء أخرى، ليس فقط على صعيد منطقة ايناون وإنما في جهات مغربية أخرى (زينب نجاري 1996). وهذا ما يشير إليه سيليريه عندما أكد على الانقلاب الذي طرأ على الحياة القبلية المغربية بسبب الهجرات الكبرى، بربرية وعربية، إما بحثا عن الماء والرعي أو بسبب انقسامات إرادية أو غير إرادية (Celerier, J. 1934). ولا شك أن هذه الظروف هي التي جعلت أسماء عدة قبائل تتكرر في مواطن متعددة ومتباعدة داخل المغرب. وقد أحصى بيرك في هذا الصدد قبائل تتكرر أسماؤها في المغرب كما يلي :
-مصمودة : تتكرر في ستة أماكن؛
-هوارة : تتكرر في خمسة عشر مكانا من بينها ثلاثة فرق في الحياينة؛
-زناتة : تتكرر في أربعة عشر موطن؛
-صنهاجة: تتكرر في خمسة وعشرين موطنا ( Berque, J. 1974)
وما يستنتجه لازاريف أن الحياينة كانوا جيشا بالمعنى المؤسسي للكلمة تحت حكم السعديين. وفي بداية القرن كان تنظيمهم الاجتماعي مطبوعا بالبنية الجيشية. وما يشهد على ذلك دواويرهم التي كانت مجموعة تحت حكم قائد المائة وقواد آخرون تابعين للباشا الموجود بفاس. إلا أن وضعهم العقاري كان يجعلهم مستقلين عن السلطان، وكانوا لا يظهرون في التحركات المستمرة للفرق المصاحبة للسلطان. لهذا فابتداء من القرن السابع عشر أصبحت الحياينة مذكورة بصورة متكررة في الكتابات التاريخية كقبيلة تعترف بالسلطان وتخضع للضرائب العسكرية. ولكنها قد تتحالف، في نفس الوقت، مع هذه القبيلة أو تلك:
-1662 : أول شريف علوي يستقر فوق بلاد الحياينة محاولة منه الاستيلاء على مدينة فاس لكنه طرد من هناك بواسطة الدلائيين وحكام المدينة المدعمون بالحياينة؛
-1750 : واجه الحياينة إلى جانب سكان فاس السلطان مولا ي عبد الله والأوداية؛
-1972 : انحياز الحياينة إلى المدعي مسلامة وحينما انهزم هاجم المولى سليمان الحياينة؛
-1902 : تحالف الحياينة مع المدعي بوحمارة على الجهاد؛
-1904 : تحالف الحياينة مع السلطان عبد العزيز ضد بوحمارة؛
-1911 : تحالف الحياينة مع مختلف القبائل لحصار فاس.
-منذ 1912 تحالف الحياينة مع الحركات الجهادية ضد المستعمر (p..37 1966 Lazrev,G.)
يستنتج مما سبق أن قبيلة الحياينة كانت خاضعة لسلطة المخزن بفاس منذ القرن السابع عشر، ولكنها عكس القبائل الجيشية التي كانت تشكل حزاما أمنيا حول فاس )أولاد الحاج، السجع ، لمطة، الأوداية، أولاد جامع، أولاد الطيب، الشراردة)، تميز سكانها بالاستقرار في إطار نظام الملكية الخاصة للأرض (El..Moubaraki..M.1989.p.33).
- 2. حمولة بشرية جد مرتفعة:
يتميز مجالنا بكثافة بشرية جد مرتفعة لا يمكن تفسيرها إلا بالظروف التاريخية التي مرت بها المنطقة. وبتعبير آخر أدى استقرار السكان غير الإرادي منذ حكم السعديين بجنوب ورغة إلى ظهور دواوير بمواضع جغرافية لا تشجع في غالب الأحيان على ارتباط السكان بالأرض. وقد زاد من حدة هذه الظاهرة، كما سنرى لاحقا، تجريد السكان من ممتلكاتهم خلال الفترة الاستعمارية سواء من طرف المستعمر أو من طرف المالكين الحضريين.

2-1 تطور الكثافة السكانية بين 1960 و1994:
منذ عدة قرون تميزت تلال مقدمة الريف الأوسط بكثافتها السكانية المرتفعة. بالإضافة إلى السهول الأطلنتية جنوب واد أم الربيع وسوس أهم المناطق المغربية من حيث الاكتظاظ البشري. وعند مطلع القرن العشرين وصلت الكثافة بمقدمة جبال الريف إلى 35 ن/كلم2، مقابل 29 ن/كلم2 بجبال الريف (محمد الناصري 2002 ص51) و24 و17 ن/كلم2 على التوالي بمنطقتي الغرب وسايس.

نسبة النمو الديمغرافي:


يتبين أن الاستقرار التقليدي، كما هو الشأن بالنسبة لعدة مناطق جبلية بالمغرب (Noin D.1970)، يفسر إلى حد كبير الحمولة البشرية بهذا المجال. فالكثافة السكانية بهذا المجال ارتفعت ب43.6 ن/كلم2 في ظرف 34 نسمة (خريطة رقم 1 و2 و 3 و4).
إلا أن هذه المتوسطات تبدو غير معبرة إذا لم نأخذ بعين الاعتبار توزيع الكثافة داخل كل جماعة قروية وكذلك الكثافة بالنسبة للأراضي الصالحة للزراعة.



يتجلى من خلال الخرائط أعلاه، أهمية الحمولة البشرية بهذا الجزء من المغرب. فإذا أخذنا السنة الإحصائية (1994) يتضح، من جهة، أن 86 % من الجماعات القروية تزيد فيها الكثافة عن 80 ن/كلم2 وأن 47,6% منها تزيد فيها الكثافة عن 120 ن/كلم2.
ومن جهة ثانية، يبرز من خلال قراءة التطور المجالي للكثافة التباين الواضح بين شمال الحياينة وجنوبها.
ومن جهة ثالثة، عرفت بعض الجماعات تطورا مهُولا لهذه الظاهرة بين 1960 و1994.
إلا أن كثافة السكان بالنسبة للمساحة العامة لا تكفي لوحدها للتعبير عن أهمية بل خطورة الاستقرار البشري بمجال الدراسة إذا لم نأخذ بعين الاعتبار المساحة الصالحة للاستغلال الزراعي. وهكذا تبين هذه المعادلة بجلاء فقدان التوازن بين الاقتصاد الفلاحي وعدد السكان الريفيين. فإذا كان عدد السكان بالنسبة للأراضي الصالحة للزراعة يصل في المتوسط إلى 1.5 فرد لكل هكتار صالح للزراعة، فإن الأمر يختلف، ظاهريا، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأراضي المستغلة فعلا وكذلك أهمية الملكية المتغيبة. فبالنسبة للمؤشر الثاني، يتراوح عدد الأفراد غير المالكين للأراضي
بالحياينة، بين 20 و40 %.
جدول: نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة بالجماعات القروية لقبيلة الحياينة:

نصيب الفرد (الهكتار) الجماعة القروية
0.5 عين معطوف
0.5 عين عائشة
0.5 أولاد داود
0.7 بوعروس
1.3 أولاد عياد
1.3 عين كدح
0.4 مساسة
0.9 أوطابوعبان
0.8 راس الواد
0.7 بسابسة
1.4 واد الجمعة
0.8 سيدي محمد بن لحسن
0.9 المجموع

وبشكل عام تعكس دراسة ظاهرة الكثافة صعوبة التعيش من الأرض واستمرار الارتباط بها. ولهذا السبب، ولا غرابة في ذلك، تعتبر الهجرة بمختلف أشكالها أهم الحلول التي يلوذ بها السكان. إلا أن الأزمة البنيوية التي تعرفها حواضر المغرب والتي ينتج عنها عدم قدرتها على إدماج مهاجرين جدد في النسيج الاقتصادي ستؤدي من الآن فصاعدا إلى احتراف مهن جديدة أو ظهور مشاكل اجتماعية ذات أبعاد خطيرة على البنيات الاجتماعية التقليدية. وتعتبر الهجرة للاشتغال في حقول نبتة القنب الهندي بالريف الأوسط واستهلاكها المتزايد واتساع دائرة الإجرام والسرقة أهم المؤشرات المجالية والاجتماعية التي تترجم تمزق النسيج الاجتماعي الريفي.

2-2 تزايد مهم لحجم الدواوير:

تساعد دراسة حجم التجمعات السكانية على معرفة أهمية الاكتظاظ البشري بالمنطقة وانعكاساته على تنظيم المجال الريفي. فتعدد الدواوير داخل حيز ضيق ينتج عنه من جهة تقلص المجال الرعوي نظرا لامتداد النشاط الزراعي على أراضي كانت مخصصة إلى الأمس القريب لهذا النشاط. وينتج عنه، من جهة أخرى، ضعف نصيب الأسر من الأراضي الفلاحية. ورغم كون هذا المجال هو مجال طرد بشري تقليدي، فإنه لم يؤدي بالضرورة إلى تقلص حجم دواويرها.


جدول: نمو حجم الدواوير بقبيلة الحياينة بين 1960 و2004:

Classe douars 1960 1971 1982 1994 2004
nombre % nombre % nombre % nombre % nombre %
Moins de 100 h 54 13 36 8.8 26 6.2 25 6.1 35 8.3
100-499 327 80 330 81.7 305 73.8 287 69.6 270 64.6
500-799 23 6.8 34 8.3 68 16.4 78 19 84 20.1
800- 999 0 0 2 0.5 9 2.1 13 3.2 17 4.1
Plus de 1000 1 0.2 3 0.7 5 1.3 9 2.1 12 2.9
Ensemble 405 100 409 100 413 100 413 100 418 100

يبدي الجدول الملاحظات التالية:
- ارتفاع عدد الدواوير من التي تفوق ساكنتها ألف نسمة من دوار واحد الى 12 دوارا ما بين 1960 إلى و 2004.
-تراجع الدواوير التي تقل ساكنتها عن 100 نسمة بحوالي 40 % في ظرف ثلاث عقود؛
-تضاعف عدد الدواوير التي يتراوح عدد سكانها بين 500 و799 نسمة ب حوالي أربع مرات خلال نفس الفترة؛
-تضاعف عدد الدواوير التي تزيد ساكنتها عن 800 نسمة ب 17 مرة بين 1960 و1994.

2-3 ارتفاع واضح لعدد الأسر:
جدول: تحولات متوسط حجم الأسرة القروية بين 60 19 و 2004

2004 1994 1960 عدد الافراد في الاسرة
0.2 0.0 1.2 أقل من 4
1.2 0.2 27.4 4 - 4.99
19.6 5.3 57.5 5 - 5.99
50.7 36.5 11.8 6 - 6.99
28.2 58.0 2.1 7 et plus

يظهر الجدول أهمية تطور متوسط عدد أفراد الأسرة داخل أرياف مجالنا. ويطرح هذا التطور صعوبة تحقيق التوازن بين عدد أفراد الأسرة الواحدة ومواردها الاقتصادية المحلية جد المحدودة وغير المستقرة (تركز الملكية المتغيبة، توالي سنوات الجفاف). اذ ارتفع متوسط عدد أفراد الأسرة من 5.1 إلى 7.6 أفراد في ظرف 34 سنة والتي لا تزال تتميز بسيادة الاقتصاد الفلاحي المعيشي.
نستنتج من الجدول الملاحظات التالية:
- كل الدواوير يتجاوز بها متوسط حجم الأسرة 4 أفراد؛
- إذا كانت الدواوير التي يتراوح فيها متوسط حجم الأسرة بين 4 و4.99 تمثل 38.7 % من مجموع الدواوير التي تم إحصاؤها سنة 1960، فإنها لم تعد تمثل سوى 2.7 % سنة 1994. وبالمقابل إذا كانت الدواوير التي يصل أو يتجاوز فيها المتوسط 7 أفراد لا تمثل سوى 3.4 % سنة 1960 فهي تمثل 36.3 % سنة 1994.
وبشكل عام انتقل عدد الدواوير التي يتجاوز فيها متوسط أفراد الأسرة 6 أفراد من 14.8 % سنة 1960 إلى 75 % سنة 1994.
يبدو، إذن، أن متوسط حجم الأسرة عرف تزايدا جليا. ويمكن لمس هذا التطور من خلال نسبة الدواوير التي يزيد متوسط حجم الأسر فيها عن 6 أفراد. فعلى سبيل المثال، ارتفعت هذه النسبة من حوالي 13.8 % سنة 1960 إلى 94.4 % سنة 1994. وهذا يدل على أن عدد أفراد الأسرة الريفية بمجال الدراسة في تزايد مستمر نظرا لمجموعة من العوامل المجالية والاجتماعية:
-صعوبة العيش وقلة فرص الشغل جعلت مجموعة من الشباب يعزفون عن الزواج الذي يؤدي عادة إلى تكوين أسر جديدة؛
-تزايد عدد الأبناء المتمدرسين داخل الأسر ونذرة أو غياب فرص الشغل خارج القطاع الفلاحي غالبا ما يؤدي إلى تأخر الزواج لديهم؛
-التشبع الديمغرافي للمدن بالنظر لمؤهلاتها الاقتصادية وعدم قدرتها على استيعاب مهاجرين ريفيين جدد، ساهما إلى حد كبير في تعدد أفراد الأسرة بالبادية المغربية. لكن هذا التزايد لم ينتج عنه داخل البيت الواحد أسرة واسعة وإنما أسر نووية تتميز بتأخر زواج أفرادها الذين هم في سن الزواج. ولعل هذه العوامل هي التي تفسر التذبذب الذي عرفه تطور عدد الأسر.

جدول: توزيع الدواوير حسب حجم الأسر (%)

2004 1994 1982 1971 1960 السنة
فئات الدواوير
3.6 3.5 2.8 2 2 أقل من 10 أسرة
48 55 56.4 60.3 61 10-49
34.7 32.2 34 33 32.3 50-99
10 7.9 5.6 4.0 4.0 100-149
3.6 1.4 1.2 0.7 0.7 أكثر من 150 أسرة
4,18 413 413 409 405 المجموع
Source : recensement de la population et de l’habitat, 1960, 1971, 1982, 1994, 2004

إذا أخذنا كل فئة على حدى، يتبين أن الدواوير التي يتراوح عدد أسرها بين 10 و49 أسرة عرفت انخفاضا بين 1960 و1994 حيث مرت على التوالي من 61 % إلى 48 % من مجموع الدواوير. وأما الدواوير التي تتراوح أسرها بين 50 و99 أسرة فعرفت استقرارا بين المرحلتين حيث مرت من 32.3 % إلى 34.7 %. بينما تضاعفت الدواوير التي تزيد عن 100 أسرة مرتين تقريبا وذلك بمرورها من 4 % إلى 10 %. غير أن هذه المتوسطات تختلف مرة أخرى بين طرفي المجال.



III . الأنظمة والبنيات العقارية بالحياينة:

النظام والبنيات العقارية السائدة، أهم عراقيل التنمية والاستقرار البشري

تعتبر ظاهرة التملك العقاري من أهم العوامل التي ساهمت في تخلف بنيات الإنتاج بالمنطقة. فضعف نصيب الفرد المستقر من الأرض في منطقة الحياينة ناتج عن تبعيتهما العقارية منذ البداية لمدينة فاس وهي ظروف ساهمت إلى حد كبير في تنوع المشاهد الريفية في مجال الدراسة، رغم أنها ترتكز على الثلاثية التقليدية المندمجة: زراعة الحبوب والمغروسات الشجرية والرعي. وهي ثلاثية فرضتها عوامل عدة نلخصها في ضعف المردودية.
تهدف دراسة الانظمة والبنيات العقارية لبلاد الحياينة، الى تتبع السيرورة التاريخية لمختلف العلاقات القانونية والعرفية للإنسان الريفي بالأرض.
3. الملكية ببلاد الحياينة، من ملكية الكيش إلى ملكية الشرفاء والعزيب:
تتميز البنيات الزراعية بمنطقة الحياينة التي هي عبارة عن مزيج لسكان مستقرين (صنهاجة) وعناصر من الكَيش وفدوا على المنطقة منذ العهد السعدي لحماية فاس، بنظامين زراعيين مختلفين. نظام تسود به الملكية الصغيرة في ظل مجتمع يطبعه التنظيم الجماعي للحياة الزراعية ونظام جاء نتيجة لهيمنة فاس عليها من خلال مرحلتين اثنتين. ففي القرن التاسع عشر منحت عدة دواوير أراضيها لشرفاء وزانيين على شكل عزيب. وهي نفس الأسر التي اشترت عدة أراضي في هذه المنطقة. وبعد أن استتب الأمر للاستعمار الفرنسي وتراجعت هيبة الشرفاء، اغتنم الفاسيون، في مرحلة ثانية، الأزمات التي عرفتها المنطقة (حرب الريف، المجاعات) باستحواذهم أو بشرائهم لملكيات كبيرة. وقد سمحت هذه الظروف التاريخية بتحول جذري للأنظمة الزراعية التقليدية حيث حل التسيير الرأسمالي للأرض محل التنظيم الجماعي وتراجعت سلطة الأسرة وعلاقات التضامن لصالح النزعة الفردية واقتصاد السوق. (Lazarev,.G..1965.p.62)

3-1 نشأة ملكية "الشريف" فوق أرض الحياينة.

إذا كان سكان الحياينة قد سلموا لفترة طويلة من سيطرة فاس التي امتدت إلى سفوح تغات وزلاغ وضفاف سبو قبل أن تصل إلى منطقة ايناون، فإن الشرفاء الوزانين تمكنوا من الحصول على عقارات هامة في المنطقة لأن تأثيرهم في شمال المغرب كان يتنافس إلى حد كبير مع تنافس السلطان (Burque.E.1976, p60). وبمعنى آخر سمحت القوة السياسية التي كان يتمتع بها هؤلاء، بموافقة السلطان لتجنب خطرهم، بتكوين أرصدة عقارية هامة في بوادي الحياينة (.pp.93-921977Laroui.A,).
ومن بين الخدمات التي كان يقدمها الشريف الوزاني مصاحبة المحلة المخزنية عند تحركها لإيناون مقابل الحصول بالإضافة إلى الأرض على هبات هامة بواسطة "ربيعة" مولاي إدريس أو "ربيعة" مولاي عبد السلام ( p.96 ,.A,Laroui ). وقد وقع نفوذ شرفاء الوزانيين على الحياينة نظرا لقربها من مدينة وزان ولتقدير الحيانيين للشرف "لدرجة السذاجة"42 كغيرهم في مناطق أخرى من المغرب43 من خلال الهبات والهدايا التي كانت تحمل اسم "الوعْدة" مقابل الحصول على بركتهم.
استطاعت إذن ملكية الشرفاء من الانغراس وسط قبائل الحياينة، حيث فرضوا سيطرتهم على الهياكل الانتايجة والاجتماعية من خلال دورهم كوسطاء بين المخزن وسكان الأرياف.

لكن بعد ثقل مطالب الشرفاء وضعف ثقة الناس بهم سارعوا إلى تحويل العزيب إلى ملكية خاصة تشبه ملكية أهل فاس، بل وأصبح الشريف مستقرا بالمدينة شأنه في ذلك شأن حضريي فاس في سعيهم إلى الاندماج في مجتمع ميسوري فاس. وقد كانت المرحلة الاستعمارية حاسمة في انتقال العزيب إلى ملكية خاصة.
وما سجله لازاريف هو أن الأراضي العزيبية لم تكن موزعة بشكل عشوائي بأرض الحياينة، وإنما كانت تتوزع على الخصوص على ضفاف إيناون واللبن ووادي الجمعة وورغة، لدرجة أنه تساءل: هل أصبح الحياينة يحتلون مكانا استثنائيا في التوزيع الجغرافي لإرث الشرفاء وعلى الخصوص للإرث الوزاني، باعتبارهم الأكثر تقديرا وحظوة ببلاد الحياينة. (Lazarev,G. 1966 pp42-43)
3-2 الملكية الفاسية ببلاد الحياينة، نشأتها وتوسعها

نشأت الملكية الحضرية في بلاد الحياينة من خلال مصادر عدة وطرق غير قانونية أملتها الظروف السياسية التي مر منها شمال المغرب. فقد تمكنت السلطة الحاكمة وعائلات المخزن التقليدي والبورجوازية التجارية الفاسية (Lazarev,G.1975, p.p. 74-84) من السيطرة على آلاف الهكتارات في هذه المنطقة، مستغلة سذاجة السكان وظروف عيشهم خاصة خلال فترات المجاعة (1945-1946) التي أثقلت كاهلهم بالديون45. بالإضافة إلى تخلي المالك عن أرضه مقابل إعفائه من القروض46 التي يراكمها عليه الفاسي. تمكن هذا الأخير من الاستيلاء على الأراضي من خلال مشاركته في الاستغلال الفلاحي. حيث يدفع الأول الأرض والثاني المال، ويستمر في ذلك إلى أن يتنازل عن أرضه مقابل المال الذي أخذه. (زينب نجاري 1996 ص،ص177-179)
كما أن حرب الريف كانت وراء نشأة الملكية الفاسية، حيث تمكنت بعض الأسر من الاستيلاء على أراضي بالحياينة بعد أن غادرها أهلها إلى صنهاجة تلبية لنداء الجهاد. وهي الفترة التي عرفت امتدادا كبيرا للمكية الحضرية (000 30 هكتار) بعد أن لم تكن تمثل سوى بضعة آلاف من الهكتارات في نهاية القرن التاسع عشر (pp 9 -122 Grapinet, 1932 ). وتشير الدراسات التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة العقارية أن معظم الذين حصلوا على الأرض بشكل أو بآخر كانوا على علاقة وطيدة مع المستعمر الذي غظ الطرف عن تصرفاتهم. ونورد هنا حالة أحد المسنين (80 سنة) الذي أصبح عزابا في أرض كانت ملكا له بعد أن طرد منها نتيجة التهديد الذي تعرض له من طرف المستعمر.
وهناك نوع آخر من الملكية المتغيبة وهو المتمثل في حبوس اليمني الذي يوجد على بعد كلمتر واحد من مركز تيسة. كانت تمتد هذه الملكية على 3.000 هكتار وستة دواوير وهي دوار الفريش والخريبة والبطحاء والقلة والحجرة ودوار عين مليحة.

وبالإضافة إلى هذه الشريحة الاجتماعية، أثبتت الدراسات المختلفة أن القواد بالإضافة إلى الشرفاء الوزانيين استولوا على أراضي كثيرة في منطقة ايناون سواء خلال الفترة الاستعمارية (عبد الرحيم الورديغي صص.55-56 ) أو الفترة التي سبقتها ( عبد الرحمان المودن 1995 ص255). ولقد كان للقواد دور أساسي في تأجيج المستعمر للصراعات والنزاعات الاجتماعية وفي ضرب أشكال الجهاد بتجويعه ونهب أرضه وتهجيره إلى المدينة. كما كان دوره حاسما في رسم الحدود الإقليمية وخلق الدوائر تبعا لاعتبارات مختلفة استهدفت تحطيم التنظيمات القبلية وتنظيم المجال حسب ما تمليه المخططات الاستعمارية انطلاقا من دراسات جغرافية واقتصادية وإتنلوجية واجتماعية وسياسية (زينب نجاري 1996 ص.185). ولاشك أن هذه العلاقة التاريخية بين فاس وبواديها الشمالية (لمطة، زلاغ، الحياينة…) خلقت وضعية اجتماعية واقتصادية حضرية مريحة ومتعارضة مع وضعية سكان البادية من حيث احتكار الأولى لوسائل الإنتاج -التجارة بالمدينة والأرض بالبادية-47 وافتقار الأخرى لأسس العيش القروية العادية. وتعتبر هذه التبعية العامل الأساس، إلى الآن، في ضعف الظاهرة الحضرية بمحيط فاس الذي احتفظ بطابعه القروي دون تمدن كوكبي.

جدول : توزيع الأراضي الصالحة للزراعة بالنسبة للمساحة العامة ونصيب الفرد والأسرة منها (هكتار)
الدائرة الأراضي الصالحة للزراعة نصيب
الفرد (هكتار) نصيب الأسرة (هكتار) نصيب فئة (هكتار)
15-65 سنة
دائرة تيسة 92.9 % 0.9 6.1 1.70

يبدو، إذن، أن نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة هزيل، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الملكية الحضرية المتغيبة بالمجالين والتي تقدر حسب أطلس سبو (1970 صص 37-40) ولازاريف (1977 ص 80) بأكثر من 000 30 هكتار بالنسبة للمنطقة الأولى وحسب الدراسة المنجزة حول مشروع سبو الأوسط وايناون الأسفل ((M.A...1983..Aménagement...43-5 ومشروع فاس-القرية-تيسة بحوالي 15.000 هكتار، فإن هذا النصيب لن يتجاوز إلا بقليل 0.60 هكتار للفرد الواحد. ومهما يكن تبقى هذه المعدلات نظرية حيث تبين من خلال دراسة Lazarev G. (1966 ص 25) أن أكثر من 30 % من الأسر في منطقة الحياينة لا تملـك أرضا، بل قد تصل هذه النسبة إلى أكثر من 60 % في بعض الدواوير كما هو الشأن بالنسبة لدوار الزاوية قرب مركز تيسة (دراسة ميدانية).
نستنتج مما سبق أن منطقة جنوب الريف الأوسط تعرف ضغطا سكانيا قويا على الأراضي الفلاحية، وهو ما يفسر إلى حد كبير أن معظم أرباب الأسر يزاولون أنشطة غير مرتبطة باستغلال الأرض وبالنزوح في اتجاهات مختلفة. ويعتبر هذا التوجه بمثابة جواب لوضعية مجمدة ومتصلبة أملتها تبعية المنطقة عقاريا واقتصاديا لمدينة فاس بل لسياسة الإهمال والنسيان المطبقين على البادية المغربية.

3 .3 . الهجرة هي الحل:

بشكل عام منذ زمن بعيد. فظاهرة الهجرة لا تجد تفسيرها في تأثير الحيز الجغرافي فحسب وإنما في تأثير الوسط الطبيعي والفئة والتصرفات الاجتماعية. بمعنى آخر تعتبر الهجرة في نظر معظم القرويين خاصة الشباب منهم الملاذ الأخير لمواجهة التوترات الاجتماعية والتحرر من قيود ورباق مجتمع غير منتج وأسرة تعيش دون الكفاف. فالأرض لا تكفي لسد حاجيات العيش المعقدة لكونها فقيرة أو لتركزها في يد شريحة اجتماعية متغيبة تمتهن حرفا مربحة. وقد ساهم هذا العامل الأخير الذي جاء نتيجة لسيرورة تاريخية، إلى حد كبير، في فقدان التوازن بين موارد العيش والنمو الديمغرافي.
4-نظام عقاري يسوده الملك الخاص:
قبل التطرق للنظام والبنية العقاريين نشير إلى أن الأراضي بالمجال المدروس بورية في معظمها. وهي أراضي تخضع في استغلالها لقانون الملك غير المحفظ حيث لا يزال عقد "الملكية" هو السائد في أكثر من 60 % من الأراضي المستغلة. وأما الأنظمة الأخرى خاصة منها أراضي الأحباس والأراضي الجماعية فتكاد تختفي في معظم مجالات الحياينة.
جدول: النظام العقاري جنوب الريف الأوسط
النظام العقاري المساحة (هكتار) %
الملك 317 350 98.2
الأراضي الجماعية 838 1 0.5
الحبوس 207 1 0.3
الكيش 4 -
ملك الدولة الخاص 323 3 0.9
المجموع 689 356 100
المصدر: الإحصاء الفلاحي 96-1997

إن أهم ما يميز النظام العقاري بالمنطقة التراجع الواضح للأراضي الجماعية التي لم تعد، تمثل سوى 0.5 % من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة. هذه الأراضي التي تدعى "حرم" أو"حريم"، أو "مشطة" الدوار، كانت تشكل مساحات شاسعة تستغل في الرعي أو في الزراعة من طرف القبيلة أو الفرقة أو الدوار.
هذا التراجع لأراضي "الحريم" عرف بدايته الحقيقية بظهور الاستعمار الفلاحي الذي استولى على أجودها خاصة تلك المجاورة للمجاري المائية (سبو، ورغة).
كما أن السكان، في فترات لاحقة، قاموا هم أنفسهم بتحويل أراضي جماعية رعوية إلى ملك خاص لأغراض زراعية تحت إشراف ممثل الجماعة العرفية "ضامن الجماعة".
وتعرف أراضي الأحباس هي الأخرى تراجعا مهولا مقارنة بما كانت عليه في بداية هذا القرن. فهذا النظام الذي كانت تسخر موارده في بناء المساجد وفي تحمل "شرط" الفقيه، أصبحت تستغل بشكل شبه دائم، أو تكترى كل سنة أو سنتين في إطار المزاد العلني. وفي بعض الحالات يوكل استغلالها للسكان مقابل الحصول على¼ الإنتاج.
تراجعت، إذن، الأنظمة العقارية التقليدية لصالح الملك الخاص الذي أصبح يمتد على ما بين 90 إلى 100 % من الأراضي الفلاحية تتميز إذن ملكية الأرض بتركز واضح، بحيث إن أقل من 8 % من الاستغلاليات تستحوذ على 43 % من المساحة العامة للاستغلاليات. ومن هنا ندرك جيدا ظروف عيش واستقرار وأهمية الهجرة لسكان مقدمة الريف.
فالعراقيل التي تقف حجر عثرة في استقرار السكان وتحسين وضعهم المعيشي تكمن أولا في عامل التملك على اعتبار أن الملكية لا تحدد أهميتها من خلال بعدها الاقتصادي فحسب وإنما من خلال أبعادها الاجتماعية كذلك. بمعنى آخر يؤدي تجريد الفلاح من أرضه إلى استئصاله الاجتماعي بالدرجة الأولى.
وبالإضافة إلى مساهمة العامل التاريخي في خلخلة التوازن الاجتماعي في هذه المناطق، فإن الحمولة الديمغرافية المرتفعة منذ مطلع هذا القرن، في ظل الاختيارات الاقتصادية غير المنتجة، قلصت من حظوظ الأسرة في التملك. إذ يكفي أن نذكِّر هنا بالكثافة السكانية التي انتقلت هنا من 35 ن/كلم2 عند بداية هذا القرن إلى 44 ن/كلم2 خلال العشرينات(( Abeurville,1949-50.pp1-28 وإلى 65 ن/كلم2 خلال الستينات (Noin,D.1970,p.49) وإلى 81.5 و97.1 و110 ن/كلم2 خلال العقود الثلاث الأخيرة (الإحصاءات العامة للسكان والسكنى).

5 . بنيات عقارية جد متفاوتة:

نتج عن تركز أغنى وأجود الأراضي الفلاحية بمنطقة الحياينة في أيدي أقلية متغيبة، بروز تفاوت صارخ في بنية التملك. فسواء تعلق الأمر بفترة عقد الخمسينات أو الفترة الحالية، لا تزال نسبة هامة من السكان القرويين المستقرين لا تربطهم بالأرض سوى علاقات تاريخية. بمعنى فان توزيع ملكية الأرض، حسب دراسات لازاريف (Lazarev,1965 p61) ومعطيات مشروع سبو و مشروع القرية-فاس-تيسة، يُبين أن نسبة المحرومين من الأرض تتراوح بين 30% و%70.
فتحليل البنيات العقارية، يبين بداية نهاية السيرورة التاريخية للتوسع الاجتماعي والاقتصادي للزوايا والبورجوازية الحضرية على أرض الحياينة. فالملكيات التي كانت تتجاوز مساحتها 50 هكتار والتي كانت تمتد لوحدها على حوالي 30 % من مساحة المنطقة كانت في معظمها بيد الأسر المتغيبة التي لم تكن تشكل سوى 1,1 % من مجموع الأسر، وفي المقابل نجد أن 35,6 % من الأسر لا تملك شيئا .(Lazarev,G. 1966 p.25 ). وهي نسبة قد تصل إلى حوالي 70 % في منطقة سدراتة بالحياينة (Lazarev, G. 1966 p.65). وقد أحصى لازاريف 133 دوارا تتراوح بها نسبة الأسر القروية بدون أرض بين 50 و 70 %. هذه الدواوير كانت عبارة عن تنازلات عقارية في إطار العزيب لصالح الشرفاء والتي عرفت فيما بعد تفتتا عن طريق الإرث، أو كانت في ملك البورجوازية الفاسية التي حصلت عليها عن طريق الشراء. ومعظم هذه الأراضي كانت تتركز بالقرب من مجريَيْ واد اللبن وواد إيناون. ويمكن تلخيص هذه الوضعية من خلال الجدول التالي :
جدول: توزيع أصناف المالكين ببعض أفخاذ الحياينة عند بداية الستينات
أصناف المالكين دوامة 1 صدراتة أولاد بوزيان محارين دوامة2 أولاد بن غينة
غير مالكين 43 70 31 25 13 30
ملاك صغار 1 32 55 59 5 22
ملاك متوسطون 3 17 17 6 5 3
ملاك كبار 6 1 2 0 0 0
مجموع الأسر 53 120 105 90 23 55
المرجع: Lazarev,G. : R.G.M, n°8,1965, p.67

ويبدو من خلال الدراسات المشار إليها آنفا أن الملكية المتغيبة تزداد أهمية كلما اقتربنا من أودية الحياينة (اللبنن إيناون). ففي هذا المجال تصل نسبة الأسر غير المالكة إلى 43 % في المتوسط، كما أن 3 % من الأسر تستحوذ على 40 % من الأراضي التي غالبا ما تتجاوز مساحتها 50 هكتار. مقابل ذلك لا تستفيد 54 % من الملاكين سوى من 10 % من الأراضي (مجموعة خرائط سبو 1970 ص 41).
وفي بداية الثمانينات ومن خلال معطيات مشروع فاس-القرية-تيسة، بدأ هذا التركز يعرف نسبيا نوعا من التلاشي.

جدول: حجم وعدد الاستغلاليات الزراعية بقبيلة الحياينة من خلال مشروع فاس-القرية-تيسة

فئة الاستغلاليات العدد % المساحة %
أقل من 5 هكتار 890 4 54.9 11,100 15
5-10 " 920 1 21.1 13.500 18.2
10-20 " 330 1 14.9 18.200 24.6
20-40 " 480 5.4 13.600 18
أكثر من 40 280 3.6 17.600 23.8
(منها أكثر من 50 هك) (151) (1.7) (10656) (14.4)
المجموع 900 8 100 000 74 100
المرجع: Choukri, H. 1984 p. 35

وعند قراءتنا لمختلف فئات الملكيات خلال هذه الفترة يتبين أن المالكين الذين تتجاوز ملكيتهم 50 هكتار لم يعوذوا يشكلون سوى 1.7 % من مجموع المالكين ولا يستحوذون إلا على 14.4 % من المساحة المستغلة. لكن هذا التطور لم يصاحبه تراجع للمستغلين بدون أرض، وأصبح التركز يهم فئة 5-10 هكتار التي تمثل حوالي 40 % من المالكين وتستحوذ على حوالي 44 % من المساحة المستغلة. وبقيت الفئات غير المالكة والتي تملك أقل من 5 هتارات هي السائدة لكنها لا تملك سوى 15 % فقط من المساحة المستغلة في بمنطقة الحياينة.
ومن خلال قراءة دقيقة للبنيات العقارية بالدواوير المحيطة بمركز تيسة، خلال هذه الفترة، يتضح أن نسبة القرويين بدون أرض لا تزال جد مرتفعة خاصة في دوار الزاوية (71.4 %)، وفي دوار عين مليحة (53 %) وبياضة (35 %). ويتضح أيضا أن التحول الكبير الذي وقع في الهرم العقاري هو الذي يتمثل في سيادة الملكية المتوسطة. فعلى سبيل المثال، باستثناء دوار النواورة وبياضة وعين مليحة حيث إن الملكيات التي تتجاوز 25 هكتار تستحوذ على التوالي على 47 % و82 % و 87.5 % من المساحات المستغلة، تمتد الملكيات التي يتراوح حجمها بين 10 و 25 هكتار على حوالي 50 % من المساحات المستغلة.
خلال الفترة الحالية ستعرف الملكية منحى آخر يتمثل في تزايد الأسر بدون أرض وبداية تفتت ملكية أهل فاس. وقد اعتمدنا لإبراز ذلك على الإحصائيات الرسمية والتي تتعلق ببنية الاستغلاليات . كما اعتمدنا، على بعض الجماعات التي كانت تتميز بأهمية الملكية الكبرى (مساسة، رأس الواد، جماعة سيدي محمد بن لحسن) والجماعات التي كانت تعرف سيادة للملكيات المتوسطة والصغيرة (عين معطوف، عين عائشة)، والتي شملت، من جهة ثانية وبشكل مستفيض، دوار الشراط بجماعة عين معطوف.

جدول: توزيع فئات الاستغلاليات حسب المساحة والملاك:

متوسط مساحة الاستغلالية % العدد % المساحة (هك) فئة الاستغلالية
2.9 65 11952 26 35000 أقل من 5هكتار
7.7 20 3615 21 28000 5-10
14.3 10 1889 20 27000 10-20
40.1 4 748 22 30000 20-50
127.1 1 118 11 15000 أكثر من 50 هك
7.4 100 18322 100 135000 المجموع

نستنتج من دراستنا للوضعية العقارية جنوب الريف الأوسط الملاحظات التالية:
- تشكلت الحياينة عقاريا، ارتباطا بعامل أساسي وهو نفوذ المخزن وما يدور في فلكه (القواد والباشوات والفاسيون والوزانيون …)
- رغم مرور أكثر من أربع عقود على نشأة الملكية بمقدمة الريف، فإن تركز الأرض في يد فئات اجتماعية محدودة ومتغيبة لم يعرف تراجعا مهما. لا تزال عدة ملكيات بالحياينة، تتجاوز مساحتها 100 هكتار.
- إذا أخذنا فقط بعين الاعتبار السكان المستقرين دون الفئات المالكة المتغيبة والتي تستحوذ على أهم الأراضي وأخصبها سيتضح لنا أن متوسط نصيب الأسرة يقل غالبا عن 5 هكتارات وأن نسبة الأسر بدون أرض بهما تتراوح بين 15 و30 %.
- وإذا كان مجالنا، يتميز بوجود ملكيات كبيرة، فإنها لا تستغل بشكل عصري من خلال إدماج السقي العصري مثلا، رغم أنه يتوفر، على موارد مائية مهمة جدا.
لازالت الملكية المتغيبة تساهم في استمرار الأشكال غير المباشرة للاستغلال الفلاحي: تبين من خلال الإحصاء الفلاحي (1996-1997) أن هذه الأشكال التي يحصل فيها الخمّاس أو الربّاع على أجرته عينا لا تزال تمتد في المتوسط على 5 % من المساحة الصالحة للزراعة. وتزداد هذه الظاهرة أهمية حيث التركز القوي للملكية الفاسية، إذ تمتد على ما بين 8 و 14 % من الأراضي بدائرة تيسة. وهذا يدل على أن البنيات الزراعية لا تزال تعاني من التخلف على اعتبار أن هذه الأشكال تعرقل تطور أنظمة الإنتاج الفلاحي ولا تساهم في تحسين مستوى عيش الفئات الاجتماعية المعنية.
- استعمال محدود لعوامل الإنتاج: لا تتجاوز نسبة الاستغلاليات التي تعتمد في الحرث والحصاد على المكننة على التوالي 23.5 % و15.8 %، أي حوالي جرار واحد لكل 400 هكتار وآلة حصاد واحدة لكل 000 3 هكتار تقريبا. وأما استعمال البذور المنتقاة فلا يحظى به إلا 11 % فقط من الاستغلاليات. ويبقى استعمال الأسمدة مهما حيث تلجأ إليها 65 % من الاستغلاليات.
وبالإضافة إلى التأثير السلبي للعوامل الجغرافية (تعرية مائية، جفاف) والتاريخية (تفاوت في ملكية الأرض)، فإن ضعف تدخل الدولة خاصة في مجال الإصلاح الزراعي وتوفير التجهيزات التحتية والاجتماعية ساهم إلى حد كبير في تخلف البنيات الاقتصادية والاجتماعية.

IV .الاقتصاد القروي بالحياينة: بنيات اقتصادية واجتماعية هشة ومتخلفة وموارد فلاحية غير كافية ومتذبذبة:
يأخذ التهميش الاقتصادي والاجتماعي مظاهر متعددة ترتبط فيما بينها بشكل يصعب معه فصل بعضها عن البعض. ويعتبر ضعف المداخيل والوضعية الصحية والبطالة وسوء التشغيل والنقص في التغذية والمغادرة المبكرة للمدرسة وضعف تغطية السكان بالماء الشروب والأعمال الشاقة وغير المؤهلة أهم تجليات التهميش الذي يعاني منه مجتمع الحياينة. وإذا كانت العوامل التاريخية والطبيعية قد ساهمت في رسم مشهد زراعي رتيب، في معظمه، فإن ضعف تدخل الدولة زاد من حدة التخلف البنيوي.
ويمكن معالجة إشكالية هشاشة وتخلف البنيات السوسيواقتصادية من خلال ثلاث محاور رئيسية:
- حدود تسخير الموارد المائية في تزويد السكان بالماء الشروب وفي الاستغلال الفلاحي؛
- المداخيل الفلاحية وغير الفلاحية ومستويات العيش؛
وهكذا يعتبر عنصر الماء وما يترتب عنه من استعمالات مختلفة أهم العناصر التي تقيد وتكره الاستقرار البشري. فرغم المعدلات المطرية المهمة التي يتلقاها جنوب الريف الأوسط خلال السنوات العادية ورغم الحجم المهم للمياه السطحية (ورغة، سبو ... ) التي تعبر ترابه، فإن السكان والفلاحة لا يستفيدون إلا من كميات مائية جد ضئيلة. ويمكن إدراك ذلك من خلال المسافة الطويلة التي يقطعها السكان لجلب الماء ومن خلال الطرق المتعبة في التزود بالماء ومن خلال ضعف نسبة الأراضي المسقية. وتعتبر الزراعات البعلية، في غياب سياسة هيدروفلاحية فاعلة، المحور الأساسي التي ترتكز عليه حياة سكان الأرياف والحواضر على حد سواء. ففي حالة انحباس الأمطار تتناقص أهم مصادر الرزق التي يعيش عليها جل هؤلاء. وعكس ذلك لا تساهم كثرتها في النمو العادي للنباتات خاصة في أراضي الطفل والطين. ومن بين النتائج المباشرة لهاته الظاهرة الطبيعية تدني الدخل الفلاحي ومستوى عيش السكان.
وما يعكس محدودية الحياة الاقتصادية في بادية وحاضرة المجال، على حد سواء، ضعف مستويات العيش التي تتمثل أساسا في ضعف حجم وقيمة الاستهلاك الغذائي وغير الغذائي. فهذين الأخيرين لا يستمدان بالضرورة مصدرهما من موارد القاعدة الاقتصادية المحلية وإنما من موارد أخرى خاصة منها موارد الهجرة الداخلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدرس الثاني من سلسلة دروس خط و إملائيات اللغة الأمازيغية

كتاب نحوُ الأمازيغية للتحميل

مسرحية أوسان صميدنين